من أعظم الانحرافات المنهجية عن دين الإسلام الاغترارُ بالعقل والإعلاء من شأنه وإنزاله منزلةً لا يبلُغها بحيث يكون حَكَمًا على نصوص الوحيين.
ولقد كانت أمة الإسلام حتى وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم – وصدرٍ من عصر خلفائه الراشدين على منهج واحد من التسليم للقرآن الكريم والسنة النبوية، وعدم التقدُّم بين يدَيهما، ، فلم يحرِّفوا نصًا ولم يعارضوه، ولم يقبلوا قول أحدٍ - كائنٍ من كان - إذا خالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في حق بعض التابعين لما وجد منهم نوع معارضة لِما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ثبت عن الشيخين رضي الله تعالى عنهما: "أُرَاهُمْ سَيَهْلِكُونَ؛ أَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُ نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؟!" رواه الإمام أحمد.
ولما طال الأمد نبتت في المسلمين نابتةٌ من أهل الأهواء ممن لم يستضئ بنور الوحي وتبنّت أقوالاً شاذة في أصول الدين كالكلام في القدر، والكلام في صفات الله تعالى، والوعد والوعيد، والموقف من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من المقالات، ونصروها وتعصبوا لها، فتكوّنت الفِرَق، واحتدم النزاع والخلاف بينها، ولاذت كل فرقة بكتاب الله تعضِد به أقوالها، ولما عجزوا تأولوا آياته وحرفوها عن ظاهرها!!
ثم كرُّوا على السنة النبوية، فلما وجدوها على خلاف ما يعتقدون، قالوا ما نقبل منها إلا ما وافق عقولنا!! وانخدع بتلك الدعوى بعض المغفَّلين من المنتسبين للإسلام إحسانًا للظن بمن رفع لواءها.
ولقد كانت أمة الإسلام حتى وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم – وصدرٍ من عصر خلفائه الراشدين على منهج واحد من التسليم للقرآن الكريم والسنة النبوية، وعدم التقدُّم بين يدَيهما، ، فلم يحرِّفوا نصًا ولم يعارضوه، ولم يقبلوا قول أحدٍ - كائنٍ من كان - إذا خالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في حق بعض التابعين لما وجد منهم نوع معارضة لِما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ثبت عن الشيخين رضي الله تعالى عنهما: "أُرَاهُمْ سَيَهْلِكُونَ؛ أَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُ نَهَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؟!" رواه الإمام أحمد.
ولما طال الأمد نبتت في المسلمين نابتةٌ من أهل الأهواء ممن لم يستضئ بنور الوحي وتبنّت أقوالاً شاذة في أصول الدين كالكلام في القدر، والكلام في صفات الله تعالى، والوعد والوعيد، والموقف من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من المقالات، ونصروها وتعصبوا لها، فتكوّنت الفِرَق، واحتدم النزاع والخلاف بينها، ولاذت كل فرقة بكتاب الله تعضِد به أقوالها، ولما عجزوا تأولوا آياته وحرفوها عن ظاهرها!!
ثم كرُّوا على السنة النبوية، فلما وجدوها على خلاف ما يعتقدون، قالوا ما نقبل منها إلا ما وافق عقولنا!! وانخدع بتلك الدعوى بعض المغفَّلين من المنتسبين للإسلام إحسانًا للظن بمن رفع لواءها.
منزلة السنة النبوية في دين الإسلام
السنة النبوية هي وحي من الله تعالى، فرسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، وعلى هذا فهي المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم، والاستسلام لمضمونها هو مقتضى الشهادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه رسول من عند الله تعالى مبلغ عنه دينه، قال الله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}[النور:63]، وقال أيضًا: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكِّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا} [النساء:65]. وقال صلى الله عليه وسلم: "لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته، يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا ندري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه" [رواه أصحاب السنن إلا النسائي]. وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: "لم أسمع أحدًا نسبه الناس أو نسب نفسه إلى علم يخالف في أن فرض الله عز وجل اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والتسليم لحكمه بأن الله عز وجل لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه، وأنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ما سواهما تبع لهما، وأن فرض الله تعالى علينا وعلى من بعدنا وقبلنا في قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - واحد لا يختلف في أن الفرض والواجب قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"ا.ه.
العلاقة بين الشرع والعقل في دين الإسلام
لما كانت مصالح الدنيا والدين مبنية على المحافظة على العقل فقد اهتم الإسلام به اهتمامًا بالغًا، وجعله أحد الضروريات الخمس التي تجب المحافظة عليها ورعايتها، وجعله مناط التكليف؛ فإذا فُقد العقلُ فلا تكليف، وعُد فاقده كالبهيمة لا تكليف عليه!
ولقد ضمّن الله تعالى كتابه الكريم كثيرًا من الحجج والبراهين العقلية البيِّنة الباهرة والأمثال المضروبة والأقيسة الواضحة لكل ذي عقل، وخاطب بهذه الأدلة والبراهين أصحاب العقول والنهى والحِجى ومن يعقل ويسمع.
ومع هذا التكريم وتلك الرعاية التي أولاها الإسلام للعقل فقد جعله الإسلام تابعًا للشرع، وقَصَرَ مهمته على النظر فيما يَرِدُ إليه منه؛ فيقوم بفحصه وترتيبه وإيجاد النِّسَب والعلاقات بين أفراد ذلك الوارد وَفقًا للقواعد المأخوذة من الشرع الكريم واستنادًا إلى ما رُكِّب في ذلك العقل من العلم الضروري فيستنتج العلوم والحقائق.
العقل الصريح يوافق النقل الصحيح:
وعليه فلا يمكن أن يتعارض الشرع والعقل؛ فالشرع أمر الله والعقل خلق الله، قال تعالى: {ألا له الخلق والأمر}[الأعراف:54]، وإذا ظن المكلَّف أن ثَمة تعارضٌ فإن الواجب تقديم الشرع؛ وذلك لأن العقل المؤمن مصدق للشرع في كل ما أخبر به، بينما الشرع ليس مصدقًا للعقل في كل ما أخبر به.
وتأسيسًا على ما سبق بيانه فيجب انقياد العقل للشرع واستسلامه له؛ فالله تعالى قد أغلق جميع الطرق الموصلة إلى رضوانه إلا طريقًا واحدًا هو صراطه المستقيم الذي أرشد إليه الشرع الحكيم، قال تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} [الأنعام:153]. من هنا وجب على كل مسلم كمال التسليم لشرع الله تعالى، والانقياد والإذعان لأمره سبحانه، وتلقي خبره بالقبول والتصديق؛ لأن العقل الصريح – كما سبق - لا يمكن أن يتعارض مع ما نُقل إلينا من الشرع بطريق صحيح.
ولقد ضمّن الله تعالى كتابه الكريم كثيرًا من الحجج والبراهين العقلية البيِّنة الباهرة والأمثال المضروبة والأقيسة الواضحة لكل ذي عقل، وخاطب بهذه الأدلة والبراهين أصحاب العقول والنهى والحِجى ومن يعقل ويسمع.
ومع هذا التكريم وتلك الرعاية التي أولاها الإسلام للعقل فقد جعله الإسلام تابعًا للشرع، وقَصَرَ مهمته على النظر فيما يَرِدُ إليه منه؛ فيقوم بفحصه وترتيبه وإيجاد النِّسَب والعلاقات بين أفراد ذلك الوارد وَفقًا للقواعد المأخوذة من الشرع الكريم واستنادًا إلى ما رُكِّب في ذلك العقل من العلم الضروري فيستنتج العلوم والحقائق.
العقل الصريح يوافق النقل الصحيح:
وعليه فلا يمكن أن يتعارض الشرع والعقل؛ فالشرع أمر الله والعقل خلق الله، قال تعالى: {ألا له الخلق والأمر}[الأعراف:54]، وإذا ظن المكلَّف أن ثَمة تعارضٌ فإن الواجب تقديم الشرع؛ وذلك لأن العقل المؤمن مصدق للشرع في كل ما أخبر به، بينما الشرع ليس مصدقًا للعقل في كل ما أخبر به.
وتأسيسًا على ما سبق بيانه فيجب انقياد العقل للشرع واستسلامه له؛ فالله تعالى قد أغلق جميع الطرق الموصلة إلى رضوانه إلا طريقًا واحدًا هو صراطه المستقيم الذي أرشد إليه الشرع الحكيم، قال تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} [الأنعام:153]. من هنا وجب على كل مسلم كمال التسليم لشرع الله تعالى، والانقياد والإذعان لأمره سبحانه، وتلقي خبره بالقبول والتصديق؛ لأن العقل الصريح – كما سبق - لا يمكن أن يتعارض مع ما نُقل إلينا من الشرع بطريق صحيح.
بداية الانحراف عن الصراط المستقيم والاغترار بالعقل وتقديمه على الشرع
كانت البداية على يد فرقة من أهل الكلام والجدل هي المعتزلة، وكانت بداية ظهورها في زمن التابعين على يد رجل يُدعى واصل بن عطاء، كان من تلامذة الحسن البصري رحمه الله تعالى ثم انحرف عن طريقته وأسس لهذه الفرقة منهجًا له أصول، وتفصيل ذلك يجده القارئ الكريم في كُتب الفِرَق.
وقد مجَّد المعتزلةُ العقلَ وجعلوه أدلَّ الأدلة، وجعلوه حجةً، وقدموه على الكتاب والسنة، وأوقفوا معرفة الله تعالى عليه!! والذي أوقعهم في هذا البلاء هو نظرهم في الفلسفة اليونانية ومحاولة صبغها صبغة إسلامية!!
وقد مجَّد المعتزلةُ العقلَ وجعلوه أدلَّ الأدلة، وجعلوه حجةً، وقدموه على الكتاب والسنة، وأوقفوا معرفة الله تعالى عليه!! والذي أوقعهم في هذا البلاء هو نظرهم في الفلسفة اليونانية ومحاولة صبغها صبغة إسلامية!!
موقف المعتزلة من السنة النبوية:
قلل المعتزلة من فائدة تعلم الحديث، وحذروا من تعلمه وذموا أهله، وذهبوا إلى جواز وقوع الكذب في الخبر المتواتر! [والخبر المتواتر مقطوع بصحته عند أهل السنة وجماعة لأنه يجمع شروطًا لا يمكن معها احتمال عدم الصحة]، كما اعتقد المعتزلة أن الحجة العقلية كفيلة بنسخ الأخبار!
وأما حديث الآحاد [وهو ما لم يجمع شروط الحديث المتواتر] فإنهم لا يعلمون كونه صدقًا أو كذبًا [ولو كان في أعلى درجات الصحة، ولو اتفق على تصحيحه البخاري ومسلم!!]، فمنهم من لا يحتج به مطلقًا في أمور الدين، ومنهم من لا يحتج به إذا خالف العقل، ومنهم من لا يحتج به في باب الاعتقاد خاصة. ومن الأبواب التي ردَّ فيها المعتزلة أحاديث الآحاد: صفات الله تعالى، ورؤيته سبحانه في الآخرة، وخلق أفعال العباد، وحكم مرتكب الكبيرة، والشفاعة، وعذاب القبر، وغير ذلك.
وأما حديث الآحاد [وهو ما لم يجمع شروط الحديث المتواتر] فإنهم لا يعلمون كونه صدقًا أو كذبًا [ولو كان في أعلى درجات الصحة، ولو اتفق على تصحيحه البخاري ومسلم!!]، فمنهم من لا يحتج به مطلقًا في أمور الدين، ومنهم من لا يحتج به إذا خالف العقل، ومنهم من لا يحتج به في باب الاعتقاد خاصة. ومن الأبواب التي ردَّ فيها المعتزلة أحاديث الآحاد: صفات الله تعالى، ورؤيته سبحانه في الآخرة، وخلق أفعال العباد، وحكم مرتكب الكبيرة، والشفاعة، وعذاب القبر، وغير ذلك.
المحطة الثانية في خط الانحراف بالعقل وتحكيمه على نصوص السنة:
كانت المحطة الثانية في تكريس مبدأ الإعلاء من شأن العقل وتحكيمه على نصوص السنة، هي ظهور الاستشراق كاتجاه فكري يُعنى بدراسة حضارة الأمم الشرقية بصفة عامة، وحضارة العرب والإسلام بصفة خاصة. والمستشرقون هم علماء من الغرب اعتنوا بدراسة الإسلام واللغة العربية وكذلك لغات الشرق وأديانه وآدابه. ويرى بعض المؤرخين أن بداية الاستشراق كانت مع بداية الاستعمار في العصر الحديث قبيل القرن التاسع عشر، بينما يرى بعضهم الآخر أن الاستشراق أقدم من ذلك، حيث يرون أن بدايته كانت مع اشتغال الغرب بترجمة الكتب العربية.
وللاستشراق أهدافه، ودوافعه، ومنهجه في دراسة الإسلام، ليس هذا محل تفصيلها.
والذي يعنينا هنا أن اشتغال المستشرقين بنتاج الفكر الإسلامي أدى إلى إثارة شبهات حول السنة النبوية؛ حيث شعروا بأهمية ذلك الرصيد الضخم، فركزوا طعونهم عليها ليتسنى لهم الطعن في القرآن، ولقد وجدوا في منهج المعتزلة ما يخدم أغراضهم، فتبنوه ودافعوا عنه وساروا على منواله في محاربة السنة والتهوين من شأنها، ولقد كان عدم التصديق بنبوته – صلى الله عليه وسلم – هو القاعدة التي انطلقوا منها في بث كل شكوكهم ومطاعنهم في بقية جوانب الإسلام؛ فبثوا في كتبهم أن ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس إلا أفكارًا ولَّدها صفاء نفسه، وأنه لا يعدو أن يكون مصلحًا اجتماعيًا، وأن الوحي عبارة عن كهانة وأمراض عقلية ونفسية، وأن هذا الوحي مقتبس من اليهودية والنصرانية والعقائد والأديان القديمة المختلفة.
وأراد أولئك المستشرقون أن يدعموا آراءهم السابقة حول السنة النبوية فبثوا في كتاباتهم قذفًا لرسول الله – صلى الله عليه وسلم - وتُهمًا جائرة، وطعنوه بكل نقيصة في شخصه، وكالوا له أبشع الشتائم وأوسع السباب؛ وذلك ليتمكنوا من تجريده من العصمة الملازمة لمقام النبوة؛ فصوروه مشغولاً بالنساء، ومهتمًا بالدنيا وحطامها الفاني يعيش على الغنائم والتلصص والسلب والنهب، كما صوروه شخصًا متناقضًا متبعًا لهواه.
وكان إنكار نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم من قِبل المستشرقين هو المدخل والطريق لطعنهم في سنته؛ فقد نظروا إلى هذه الثروة الهائلة من الأحاديث النبوية فاستبعدوا أن يكون النبي محمد هو مصدرها، فأعملوا عقولهم الخاسرة في قطع الصلة ومحو العلاقة بين تلك الأحاديث وبين النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ومع أن الذي يعتقده كل مسلم أن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم – حُفظ كما حفظ القرآن، وظل طيلة القرون الماضية سليمًا معافى، وقد هيّأ الله تعالى له رجالاً بذول غاية جهدهم في سبيل المحافظة عليه وتنقيته مما علق به من شوائب، وَفق منهجية ذات شروط صارمة.
ورغم ذلك فقد زعموا الوضع في الحديث، وأنه لا تصح نسبته لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وطعنوا في أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -، ولم يكتف المستشرقون بذلك، بل طعنوا في منهج النقد عند الأئمة الحفاظ المحدثين.
• وعلى خطى المعتزلة والمستشرقين في موقفهما من السنة النبوية سارت المدرسة العقلية الحديثة؛ حيث استطاع المستشرقون أن يستقطبوا كثيرًا من أبناء الإسلام الذين تأثروا بثقافتهم وانخدعوا بآرائهم وما روجوه لأنفسهم بالتزام المنهجية والحيادية في البحث العلمي، وهؤلاء المقتفون لآثار المستشرقين كانوا يمثلون رموزًا بارزة في بلدانهم، مما كان له أثر بالغ في نشر تلك الأفكار بين المسلمين، وانخداع السُّذج منهم بها، وتفلُّت كثير منهم من التمسك بالشرع الشريف.
كما أن تتلمذ بعض أبناء المسلمين على أيدي المستشرقين جعل كثيرًا منهم يحذو حذوهم، فكان خطرهم أكبر وإفسادهم أعظم؛ لأن هدم الحصون من داخلها أشد خطرًا من أي عدوان خارجي.
كما أن جهل تلاميذ المستشرقين بالسنة النبوية وبالجهود التي بذلها الأئمة في نقلها ونقدها وتمييز صحيحها من سقيمها، جعلَهم يتلقفون شبهات المستشرقين وينخدعون بأقوالهم وآرائهم.
ويضاف لما سبق: ضعفُ الوازع الديني عند بعضهم، الأمر الذي جعلهم يستجيبون للضغوط فيرجون لبعض الأفكار، ولو على حساب دينهم!
ولا شك أن ضعف الأمة الإسلامية وانصرافها عن دينها أدى إلى انبهارها بالغرب وتشبثها بأذياله وتبعيتها لأفكاره.
والذي يعنينا هنا أن اشتغال المستشرقين بنتاج الفكر الإسلامي أدى إلى إثارة شبهات حول السنة النبوية؛ حيث شعروا بأهمية ذلك الرصيد الضخم، فركزوا طعونهم عليها ليتسنى لهم الطعن في القرآن، ولقد وجدوا في منهج المعتزلة ما يخدم أغراضهم، فتبنوه ودافعوا عنه وساروا على منواله في محاربة السنة والتهوين من شأنها، ولقد كان عدم التصديق بنبوته – صلى الله عليه وسلم – هو القاعدة التي انطلقوا منها في بث كل شكوكهم ومطاعنهم في بقية جوانب الإسلام؛ فبثوا في كتبهم أن ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس إلا أفكارًا ولَّدها صفاء نفسه، وأنه لا يعدو أن يكون مصلحًا اجتماعيًا، وأن الوحي عبارة عن كهانة وأمراض عقلية ونفسية، وأن هذا الوحي مقتبس من اليهودية والنصرانية والعقائد والأديان القديمة المختلفة.
وأراد أولئك المستشرقون أن يدعموا آراءهم السابقة حول السنة النبوية فبثوا في كتاباتهم قذفًا لرسول الله – صلى الله عليه وسلم - وتُهمًا جائرة، وطعنوه بكل نقيصة في شخصه، وكالوا له أبشع الشتائم وأوسع السباب؛ وذلك ليتمكنوا من تجريده من العصمة الملازمة لمقام النبوة؛ فصوروه مشغولاً بالنساء، ومهتمًا بالدنيا وحطامها الفاني يعيش على الغنائم والتلصص والسلب والنهب، كما صوروه شخصًا متناقضًا متبعًا لهواه.
وكان إنكار نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم من قِبل المستشرقين هو المدخل والطريق لطعنهم في سنته؛ فقد نظروا إلى هذه الثروة الهائلة من الأحاديث النبوية فاستبعدوا أن يكون النبي محمد هو مصدرها، فأعملوا عقولهم الخاسرة في قطع الصلة ومحو العلاقة بين تلك الأحاديث وبين النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ومع أن الذي يعتقده كل مسلم أن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم – حُفظ كما حفظ القرآن، وظل طيلة القرون الماضية سليمًا معافى، وقد هيّأ الله تعالى له رجالاً بذول غاية جهدهم في سبيل المحافظة عليه وتنقيته مما علق به من شوائب، وَفق منهجية ذات شروط صارمة.
ورغم ذلك فقد زعموا الوضع في الحديث، وأنه لا تصح نسبته لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وطعنوا في أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -، ولم يكتف المستشرقون بذلك، بل طعنوا في منهج النقد عند الأئمة الحفاظ المحدثين.
• وعلى خطى المعتزلة والمستشرقين في موقفهما من السنة النبوية سارت المدرسة العقلية الحديثة؛ حيث استطاع المستشرقون أن يستقطبوا كثيرًا من أبناء الإسلام الذين تأثروا بثقافتهم وانخدعوا بآرائهم وما روجوه لأنفسهم بالتزام المنهجية والحيادية في البحث العلمي، وهؤلاء المقتفون لآثار المستشرقين كانوا يمثلون رموزًا بارزة في بلدانهم، مما كان له أثر بالغ في نشر تلك الأفكار بين المسلمين، وانخداع السُّذج منهم بها، وتفلُّت كثير منهم من التمسك بالشرع الشريف.
كما أن تتلمذ بعض أبناء المسلمين على أيدي المستشرقين جعل كثيرًا منهم يحذو حذوهم، فكان خطرهم أكبر وإفسادهم أعظم؛ لأن هدم الحصون من داخلها أشد خطرًا من أي عدوان خارجي.
كما أن جهل تلاميذ المستشرقين بالسنة النبوية وبالجهود التي بذلها الأئمة في نقلها ونقدها وتمييز صحيحها من سقيمها، جعلَهم يتلقفون شبهات المستشرقين وينخدعون بأقوالهم وآرائهم.
ويضاف لما سبق: ضعفُ الوازع الديني عند بعضهم، الأمر الذي جعلهم يستجيبون للضغوط فيرجون لبعض الأفكار، ولو على حساب دينهم!
ولا شك أن ضعف الأمة الإسلامية وانصرافها عن دينها أدى إلى انبهارها بالغرب وتشبثها بأذياله وتبعيتها لأفكاره.
• لقد تأثر روَّاد المدرسة العقلية الحديثة بمنهج المعتزلة في التعامل مع نصوص الوحي فردوا كثيرًا منها بالعقل، ومن أمثلة ذلك: حديث غمس الذباب الواقع في الإناء، وحديث المعراج، وحديث شق صدر الرسول وإخراج حظ الشيطان منه، وحديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث إسلام شيطان النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث: "إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة ..."، وحديث: "تحاجت الجنة والنار ..."، وحديث نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان، وأحاديث الدجال والجساسة، وحديث لطم موسى عليه السلام لملك الموت وفقء عينه، إلخ.
• وكما تأثر أصحاب المدرسة العقلية الحديثة بالمعتزلة، فإنهم تأثروا كذلك بمنهج المستشرقين وما بثوه من شبهات وأراجيف، ومن ذلك التشكيك في صحة الأحاديث واعتقاد وضعها على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما شككوا في دقة التدوين وكتابة الأحاديث النبوية. وبالغوا في النتائج المترتبة على تصحيح العلماء لرواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمعنى. ولجهلهم وضيق عطنهم عارضوا السنة النبوية بظاهر القرآن الكريم، وضربوا بعضهما ببعض. وتجرؤوا على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يُسَلِّموا بعدالتهم، ولقد نال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه من ذلك التنقُّص النصيبَ الأوفر. وأما الصحيحان اللذان هما أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى وأجمعت الأمة على تلقيهما بالقبول فلم يسلما - كذلك - من تشكيكهم.
ثم وجهوا سهامهم لمناهج المحدثين ووسمهم بأنهم إنما اعتنوا بأسانيد الأحاديث دون متونها، وأنهم لايفقهون دلالات ألفاظ الأحاديث التي يشتغلون بدراسة أسانيدها، وجعلوا اختلاف الأئمة الحفاظ في الحكم على الأحاديث صحة أو ضعفًا ناشئًا عن هوى وبواعث نفسية!
ثم وجهوا سهامهم لمناهج المحدثين ووسمهم بأنهم إنما اعتنوا بأسانيد الأحاديث دون متونها، وأنهم لايفقهون دلالات ألفاظ الأحاديث التي يشتغلون بدراسة أسانيدها، وجعلوا اختلاف الأئمة الحفاظ في الحكم على الأحاديث صحة أو ضعفًا ناشئًا عن هوى وبواعث نفسية!
تلكم هي جذور المدرسة العقلية الحديثة، والأسس الفكرية التي قامت عليها، وتلكم هي الروافد التي أثرت في تكوينها وفي الموقف الذي اتخذته من سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وتلكم هي المداخل والأساليب التي اتخذوها لصرف الناس عن هذه السنة المطهرة والتهوين من شأنها وخطرها وصولاً إلى ردها كليًا أو جزئيًا.
واطلاعنا على ما سبق يساهم في تكوين حصانة للمسلم تعصمه وتساعده في التصدي لما قد يَرِدُ عليه من شبهاتهم. والله الموفق، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
واطلاعنا على ما سبق يساهم في تكوين حصانة للمسلم تعصمه وتساعده في التصدي لما قد يَرِدُ عليه من شبهاتهم. والله الموفق، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
إرسال تعليق