القيم الحضارية في رسالة خير البرية

وهذا لم يظهر في تاريخ الحضارات الإنسانية كلها إلا في الحضارة الإسلامية التي ارتفعت وارتقت وتقدمت في أزهى عصور التمسك بالإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقا , أما الحضارات الزائفة التي تقوم على الأفكار السلطوية الفوقية القاهرة الساحقة للأمم دونها فمصيرها مصير كل الحضارات التي سبقتها للانهيار وللزوال وربما بأسرع مما يتوقع الكثيرون .

القيم الحضارية في رسالة خير البرية

د. محمد بن عبد الله بن صالح السحيم

نشر : مجمع البحوث الإسلامية – الجامعة الإسلامية العالمية

إسلام آباد – باكستان

جاءت رسالة الإسلام لتغير من طبيعة العرب بل من طبيعة كل من آمن بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم لتنقلهم من سلوكهم البدوي إلى آفاق رحبة حضارية لم يكن العرب ليصلوا لها إلا بالإسلام , وحينما تمسك المنتسبون لرسالة الإسلام كلما ارتقوا في دروب الحضارة وبالعكس كلما تنازلوا عن قيم دينهم كلما هبطوا في مدارج الحضارة وتهاووا إلى ذيل الأمم .

ولهذا أراد الكاتب أن يبرز دور الرسالة الإسلامية في إرساء القيم الحضارية وليبين الأثر الإسلامي في تقم ورقي وتحضر الإنسانية كلها في الوقت الذي كانت فيه الدول التي تدعي التحضر الآن تغرق في بحار ظلماتها .

وقد قسم الكاتب القيم الحضارية إلى ثلاثة أقسام

المبحث الأول : القيم العلمية

المطلب الأول : العلم

وذكر فيه الكاتب عدة مسائل مهمة أولها بيان اهتمام الإسلام بالعلم وذكر فضله وفضل المتعلمين ورفع درجاتهم في الدنيا والآخرة والحث على تعلمه ثم ذكر مكانة العلماء عند الله سبحانه ثم تحدث عن بناء الإسلام لمنهج علمي خاص به تفرد به عن كل الأديان والمذاهب والأفكار الأخرى تمثل في النظر والاستدلال والتدبر وكيفية التعامل مع المستقبل وتوقف فيه عند عدة مسائل مثل الاعتماد على الدليل وعدم التقليد والتحذير من متابعة الآباء إذا كانوا على ضلال والاستدلال بالدليل الحسي على الأمر المعوي الغيبي .

المطلب الثاني : الدين

فهذا أعظم مقوم من مقومات بناء الحضارة الإسلامية , فذكر بداية تعريفه لغة واصطلاحا مع ذكر عدة تعريفات اصطلاحية له ثم ذكر الضوابط التي يجب أن يعرف بها المسلم الدين الحق ويفرق بينها وبين الدين المحرف الذي وضعه البشر للبشر ثم ذكر الحاجة إلى الدين وانه من الحاجات الضرورية للإنسان وليس من الترف الفكري في شئ , ثم انتقل إلى مصدر الدين فقال أنهما مصدران أساسيان وهما الوحي الإلهي والمصدر الثاني هو فكر الإنسان , ثم انتهى إلى أن الحضارة الثابتة النافعة لن تقوم إلا على دين صحيح من أصل مصدره .

المطلب الثالث : الإتقان

فذكر الكاتب تعريفا لغويا واصطلاحيا للإتقان ثم ذكر حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على الإتقان في كل شئ ثم اتبعه بقوله أن البناء الإسلامي عقيدة وشريعة جاء في غاية الإتقان .

المبحث الثاني : القيم الاجتماعية

المطلب الأول : الوسطية

بدا الكاتب بتعريف الوسط لغة والوسطية اصطلاحا وأن الوسطية هي شعار امة محمد صلى الله عليه وسلم وذكر أمثلة على وسطية هذه الأمة في العبادات والشرائع ووسطية في السعي للدنيا والآخرة ووسطية بين متطلبات الجسد والروح .

المطلب الثاني : العناية بالمرأة

ذكر الكاتب عناية الإسلام بالمرأة أما وأختا وزوجة وبنتا أو من عامة الناس , كما ذكر مساواة النوعين في الثواب والعقاب وفي الحقوق والواجبات لكلا الزوجين كما ذكر وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بالنساء في آخر خطبة له بعدما كان العرب يتشاءمون من إنجابهن ويئدونهن خشية مجلبة العار . 

المطلب الثالث : الحب

خلق عظيم وبلسم شاف لأمراض القلوب ويؤلف بين النفوس ويجمع الأرواح , ولذا فكل حضارة تبنى العلاقات فيها على الحب حضارة لابد وان تسود وتقود وتستمر , وقسم الكاتب الحب إلى أصناف وأنواع , محبة الله سبحانه لعباده , ومحبة المرء لربه , ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبة المرء لعامة المؤمنين  

المطلب الرابع : الرحمة

تحدث الكاتب عنها من حيث اللغة والمصطلح الشرعي , والرحمة أساس أصيل في الحضارة الإسلامية التي لا مكان فيها لهلكة الإنسان في صالح الكيان الحضاري فالرحمة تقدم المصلحة الإنسانية والقدرة البشرية في العمل , ثم تحدث عنها كأقسام , رحمة الله  ثم رحمة الرسول بالإنسان والطير والحيوان والصغير والكبير , ثم تحدث عن تحية المسلمين وهي السلام وعن قيمته الحضارية .

المطلب السادس : الأخلاق

بدأ الكاتب بتعريف الأخلاق لغة واصطلاحا فهو الصورة الإنسانية الباطنة التي تعطي للصورة الظاهرة حسنها وقبحها , وذكر أن الأخلاق الإسلامية التي نشأت منها الحضارة الإسلامية لا تتبدل ولا تتغير أمام المقابل سواء كان مسلما أو غير مسلم , بعيدا أم قريبا , وسواء المسلم منتصرا أو مهزوما , فلا مكان لغلبة المصالح على المبادئ في المنهج الإسلامي في أي وقت ولا أي ظرف

المطلب السابع : النظافة

عرفها لغة واصطلاحا ثم تحدث عن معناها الشامل لا عن معناها الحسي فقط فهي شاملة لمناحي الحياة جميعا فهي نظافة للقلب والقالب في القول والعمل في المطعم والملبس والمشرب نظافة حسية ومعنوية , ومن معانيها التطهر من الذنوب والآثام , وطهارة في الثوب والبدن والمكان , والصلاة اليومية طهارة معنوية كما يشترط لأدائها

المبحث الثالث :  القيم الإدارية

المطلب الأول : الشمول للمبادئ والعقائد

جاء المنهج الإسلامي الحضاري شاملا لكل شيئ للخالق والمخلوق للدنيا والآخرة للسفر والحضر للإنسان والكون والحيوان والنبات شمولا يتضمن القواعد والمبادئ والأحكام والأهداف وذلك من قوله تعالى " وكل شيئ أحصيناه في إمام مبين " , فالحلال بين والحرام بين والعقائد وضاحة والشرائع محكمة والأخلاق شاملة والأهداف دقيقة والمثل رائعة .

المطلب الثاني : كفالة الحقوق

في هذا العصر الذي يكاد سكون الطابع الحقوقي مسيطرا عليه نجد أن الحقوق التي كفلها الإسلام في غاية الصراحة والوضوح والتوازي بين البشر , وتتنوع تلك الحقوق فمنها حق الله على عباده , وحقوق الأنبياء على أتباعهم , وحق الوالدين على أبنائهما , وحق الولد على والده , وحقوق كلا الزوجين على الآخر وحق الإنسان على أخيه الإنسان , وحق الجوار وغيرها من الحقوق , وكل مفصل معلوم وواضح وعادل

المطلب الثالث : تنمية المال والمحافظة عليه

فالمال هو عصب الحياة وشريان الاقتصاد وقوام حياة الناس فشرع المعاملات المادية العادلة مثل البيع والشراء كما طلب تحري الحلال في اكتسابه وفي إنفاقه 

المطلب الرابع : العدل

فالعدل ضد الجور وقد أوجبه الله على عباده وحرم عليهم الظلم قليله وكثيره , وقد قام رسول الله بالعدل في كل شئونه بينه وبين الناس وقام حكما عدلا بين الناس وبعضهم البعض

المطلب الخامس : القوة

القوة خلاف الضعف وهي مقوم الحياة لا تستقيم إلا بها , وجاء الإسلام بكل عناصر القوة المادية والمعنوية وأمر بالأخذ بها وإعداد العدة لا للظلم والبغي ولكن لحفظ الحقوق ورجع البغي والعدوان

المطلب السادس : احتمال المخالف

أن تتحمل النفس المخالف فتصبر على جهله وتسكت على سفهه وتتغاضى على تقصيره وتحسن إليه إن ظلم وهذا في القريب كما تعدل مع الغريب البعيد فلا تظلمه ولا تبخسه حقه .

وهذا لم يظهر في تاريخ الحضارات الإنسانية كلها إلا في الحضارة الإسلامية التي ارتفعت وارتقت وتقدمت في أزهى عصور التمسك بالإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقا , أما الحضارات الزائفة التي تقوم على الأفكار السلطوية الفوقية القاهرة الساحقة للأمم دونها فمصيرها مصير كل الحضارات التي سبقتها للانهيار وللزوال وربما بأسرع مما يتوقع الكثيرون .

جزى الله الدكتور محمد بن عبد الله السحيم على هذا الكتاب القيم