بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر الصالحين ومراجعة سيرهم وتشنيف الأذان بسماع أخبارهم ، مما يثلج صدور المؤمنين وينزل السكينة في قلوب الموحدين ، فهم القدوة والمثل ، والنموذج الأسمى في تطبيق أخلاق الإسلام .
وقد كان القرآن الكريم يقصُّ علينا أخبار الأنبياء الكرام ، فنحسُّ بالقمم الإنسانية الشامخة ترنو إلينا ، فستنهض هممنا , ويقص علينا أخبار الصالحين من غير الأنبياء ، الذين كان لهم الدور الكبير في نشر كلمة لا إله إلا الله ، وإعلائها ، وتَحَمُّلِ الأذى ، والصبر عليه .
فكما قص علينا القرآن الكريم قصة سيدنا نوح وهود وصالح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام , كذا قص علينا طرفاً من قصص الصالحين من أمثال : لقمان الحكيم الذي شكر الله ، فآتاه الله الحكمة فكان داعية إلى الله ، يعظ الناس ، ويدلهم إلى الصراط المستقيم ,وقد ذكر الله سورة باسمه سمها سورة لقمان , وكذا ذي القرنين : الذي مكن الله تعالى له في الأرض ، غربها وشرقها ، فنشر التوحيد ، وقاتل الكفار ، وبنى سدّ يأجوج ومأجوج ، وقصته في سورة الكهف ( 83 ـ 98 ) و مؤمن يس : فقد أرسل الله تعالى ثلاثة من الأنبياء إلى إحدى المدن ، يدعون أهلها إلى الإيمان ، فكذّبوهم ، فجاء \" حبيب النجار \" يسعى إلى جمعهم مؤيداً هؤلاء الأنبياء الكرام ، فما كان من المجرمين إلا أن قتلوه ، فدخل الجنة معززاً مكرّماً ، وقصته في سورة يس الآيات ) 20 ـ 27) ومؤمن فرعون : الذي آمن بموسى واتبعه دون خوف من فرعون وملئه ، ودعا الناس إلى الإيمان بالله تعالى وإتباع موسى ، فهو سبيل الرشاد ، وخوّفهم من عذاب الله ومصير الأمم السالفة ، وموقفه في سورة غافر الآيات (28 ـ 44 ).
وفي الأثر : قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: إِنَّ أَوْلِيَائِي مِنْ عِبَادِي، وَأَحِبَّائِي مِنْ خَلْقِي الَّذِيْنَ يُذْكَرُوْنَ بِذِكْرِي، وَأُذْكَرُ بِذِكْرِهِم. أخرجه أحمد 3 / 430 وإسناده ضعيف.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لولا ثلاث لأحببت أن أكون قد لقيت الله لولا أن أضع جبهتي لله أو أجلس في مجالس ينتقى فيها طيب الكلام كما ينقى جيد التمر أو أن أسير في سبيل الله عز و جل. حلية الأولياء 1/51.
وعن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه أنه قال لولا ثلاث خلال لأحببت أن لا أبقى في الدنيا فقالت وما هن فقال لولا وضوع وجهي للسجود لخالقي في اختلاف الليل والنهار يكون تقدمه لحياتي وظمأ الهواجر ومقاعدة أقوام ينتقون الكلام كما تنتقى الفاكهة . حلية الأولياء 1/212.
وذكر الصالحين وتتبع سيرهم فيه فوائد كثيرة منها :
1- الاقتداء بهم والاعتبار بمواعظهم وأحوالهم: يقول ابن الجوزي رحمه الله: (وعليكم بملاحظة سير السلف ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم، والاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم). انظر : صيد الخاطر (440).
وذكر الذهبي في (السير): عن نُعيم بن حماد قال: كان ابن المبارك يُكثر الجلوسَ في بيته، فقيل له: ألا تستوحِش؟ فقال: كيف أستوحِشُ وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟! اهـ
قال ابنُ الأعرابي:
يُفيدوننا من علمهم علمَ ما مضى* * * وعقلاً وتأديبًا ورأيًا مُسَدَّدا
بِلا فتنةٍ تُخشى ولا سوء عِشْرةٍ* * *ولا يُتَّقَى منهم لسانًا ولا يدا
فإن قلتَ: أمواتٌ فلا أنتَ كاذِبٌ * * * وإن قلتَ: أحياءٌ فلستَ مُفنَّدا
قال الثوري -رحمه الله: عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة. الغزالي : الإحياء 2/ 211.
قال محمد بن يونس: ما رأيت للقلب أنفع من ذكر الصالحين . مختصر صفة الصفوة 7.
وقال ابن الجوزي رحمه الله: \" رأيت الاشتغال بالفقه وسماع الحديث لا يكاد يكفي في صلاح القلب، إلا أن يمزج بالرقائق والنظر في سير السلف الصالحين. لأنهم تناولوا مقصود النقل، وخرجوا عن صور الأفعال المأمور بها إلى ذوق معانيها والمراد بها. صيد الخاطر 71 .
قال إبراهيم بن إسحاق الحربي يقول سمعت بشر بن الحارث يقول حسبك أن أقواما موتى تحيى القلوب بذكرهم وأن أقواما أحياء تقسو القلوب برؤيتهم . تاريخ دمشق 10/214.
قال أحدهم :
فهم نور عيني والجمال بحفهم * * * وهم روح جسمي والحياة بجملة
لك الحمد فارحمني إذا ما ذكرتهم * * * بوصف جميل وأصلح الله نيتي
وذكر عند مخلد بن الحسين رحمه الله أخلاق الصالحين فقال:
قال الشاعر :
اعد الحديث على من جنباته * * * إنَّ الحديث عن الحبيب حبيب
قال الشاعر :
حَدِّثْ ولا حرجٌ عليك بذكرهم * * * وأَعِدْ حديثَك ما استطعت وردّد
قال الشاعر :
أشخاصهم تحت أطياف الثرى وهم * * * كأنهم بين أهل العلم قد نشروا
إرسال تعليق
Click to see the code!
To insert emoticon you must added at least one space before the code.