0
المؤمن كالغيث

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد وأن ينفع بكم البلاد والعباد ..

لعلكم أحبابنا القراء قد اطلعتم على القصة المؤلمة السابقة والتي أوصي بالإطلاع عليها .. لأن لها تعلق نوعا ما بهذه القصة ..

ويمكن مراجعتها عبر هذا الرابط .. بعنوان :
قصتي مع طريق الموت...!! وما رأيت فيه من موقف أليم . !!! شاب يحتضر !!!



ولم أنسى رسائل بعض القراء الكرام لي .. بعدما ذكرت في نهاية القصة الماضية أني سأسافر

مع هذا الطريق من الغد وهو الآن أمس 5 / 10 ( الجمعة ) يقول فيها أحد الأحباب واسمه ماجد معلقا على القصة الأولى

وما نويته من إعادة السفر مع نفس الطريق المهلك وجاء فيها ( وكم أحببت مشاعره وغيره من الإخوة ) :

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
اخي الغالي الكريم
كل عام ونتم بخير
لقد قرأت قصتك التي بالساحة عن الحادث الذي وقع في طريق الموت واعجبني نبلك في حسن التصرف ولكن ما زعجني هو اصرارك في الاستمرار في سلك نفس الطريق من اجل اختصار ساعة او ساعتين
والله اتمنى لك ان لا تسلك الطريق وان تغلي نفسك وتتقي المخاطر
اوصلك الله سالما غانما ياغالي
اخوكم
ماجد

كم كنت أتمنى أن أجيب الطلب ولكني كنت مجبورا .. !! ولتربطوا أحزمتكم لأني لأن أتأخر في عرض الفصول والتي

كانت أشد إيلاما .. من الحوادث الأربعة الماضية وكلها منشورة ويمكن مراجعتها في ( صيد الفوائد – القصص ) ..

ملاحظة : أنا أكتب لكم هذه القصة ولا تزال أثار دماء المصابين في ثوبي حتى كتابتي لهذه القصة ..

عزمنا أمرنا .. وحملنا أمتعتنا .. كالعادة متجهين إلى دار الحبيب صلى الله عليه وسلم مع هذا الطريق الموحش والذي

يسمونه طريق الشاحنات ...وللتذكير فهو مسارين فقط ذهاب وإياب وأغلب من يسير فيه الشاحنات والسيارات المتهورة

فرص النجاة فيه قليلة .. وفرص الكوارث ..فيه أكثر مما تتصور .. ولا أخفيكم أني لم أسر

هذه المرة إلا وقد أعددت وصيتي .. حتى يراها من يهمه أمري إن حصل ولقيت ربي ..

ذكرنا الله .. ودعاء السفر .. ودخلنا لهذا الطريق المؤلم ..

ولا أخفيكم جددنا العهد برؤية مكان الحادث القديم ( المذكور في القصة الأولى )

ورأيناه .. ودعونا لإخواننا .. ولا تزال قلوبنا مجروحة عليهم لا ندري أهم في الدنيا ..

أم هم الآن تحت أطباق الثرى ..

باختصار : سرنا هذه المرة .. متأنين جدا .. ولم ننتبه إلا وقد .. خرجنا منه والحمد لله .. رب العالمين ..

هنأنا أنفسنا .. كثيرا .. رغم أنه بقي في المسافة ما يربو على 350 كم .. !! ولكن زوال هذا الطريق أهم عندنا مما بقي

وإن كان طويلا الحمد لله ..

الطريق للمدينة الآن واسع .. فسيح ..

سرنا فيه مسيرة الواثق ... وبدأنا نتبادل أطراف الحديث ثلاثتنا .. بأريحية بالغة ..

والحمد لله رب العالمين الذي نجانا من فتكت هذا الطريق الموحش ( طريق الموت ) !!

ووقتها .. لم يدر في خلدنا أبداً ..

وأنا ( المؤمن كالغيث ) .. خاصة

أننا على موعد .. مع أقسى حادث رايته في حياتي ..

ولا تنسوا أن جرحي بعد لم يندمل فليس بيني وبين الحادث الماضي إلا أسابيع .. وكذلك جرح من قرؤوا القصة من

الإخوة والأخوات ..


***************

أنوار مضيئة .. تجمع كبير ..

قلت أكيد نقطة تفتيش .. !!

قال زميلي : لا أظن ..!!

هاه إذن ماذا ؟؟

رد علي : حاااادث ..

يالله .. !!

يبدو أن علاقتي بالحوادث حميمة .. !!

ومباشرة .. أوقفنا سيارتنا ..

ونزلنا ( ليس للتجمهر – يعلم الله - كما يفعل كثير من الناس مما يعيق إسعاف المصابين .. ولربما البعض ينزل ليشاهد الحوادث العائلية ويستمتع بالمناظر ويصور البعض بهاتفه ولكن حتى نعين من نستطيع ونلقن الشهادة فيمن ندرك فيه حياة )

وبدأت المناظر المفزعة .. حينما رأيت عندك الشبك الذي يفصل مساري الطريق في الطرق السريعة .. رجل يبدو أنه كبير

السن وكان منظره مريعا جالس وبجواره أحدهم .. والدم قد علا وجهه الأبيض ..!!

لم أتبين الصورة واضحه كما ينبغي .. خرجت ..

لأفاجأ أن الحادث هذه المرة ليس كالحادث السابق ( شابين ) وإنما هذه المرة (عائلة) !!

أول مرة أقف على هذا النوع من الحوادث ..

خرجت كالمجنون .. لأن الحادث لا يزال دمه حار ... حيث أن الإسعاف على وشك وصول وجميع المصابين لا يزالون

في موقع الحدث ..

الله المستعان ، انطلقت مباشرة نحو هذا العجوز الذي يخر دما وهو جالس لا يدري هو نفسه أهو حي أم ميت !! كأنه

في غيبوبة ...

اقتربت منه .. لأفاجأ أن ليس رجلا كبيرا ..

وإنما ( مرأة مسنة ) عمرها لا يقل تقديرا عن سبعين ..

لا أدري هل قذفتها السيارة .. لأني وجدت السيارة مستوية واستغربت ..

فلما سألت وجدت أن السيارة .. قد قلبت ووهمت أنهم قالوا أكثر من مرة ربما ( لإنفجار الإطار ) .. وهم مسرعين

يالله كم هو مؤلم .. ؟؟

تخيلتها والدتي .. مثل والدتي .. وتخيلوها أنتم ( أبعد الله عنكم الشر وجميع المسلمين ) ... أنها ...... !!

كيف سيكون موقفك ..؟؟

الحادث ضحيته شاب وفتاتين ( شابتين ) وهذه المسنة ..

أما أحد الفتاتين .. فقد أخرجوها من السيارة تتشهد وسمعتها بأذني .. رافعة السبابة ..

ومضت من أمامي ..

هي وأختها في سيارة الإسعاف ... !!

في موقف مؤلم وللأسف تجمهر ( مخزي ممن أحب أكثرهم ليس إعانة الناس وإنما الإطلاع على عوراتهم يظهر

هذا من حالهم ... هداهم الله من الشباب )

يصيح الشاب المتهالك - أخ الفتيات - من جروحه .. ويصرخ في الناس :

يا ناس ... ابعدوا حريم .. الحادث فيه حريم ..

يا ناس .. خافوا الله ... ابتعدوا .. حرام عليكم ..

(( وكثير منهم يتحرك .. ليغافل هذا الشاب المضرج بدمائه في لحظة .. حتى يستمتع بمشاهدة المصابات .. ))

هذا ما رأيته بأم عيني ..

البكاء يرتفع من الفتيات ...

حملوا الفتيات وسترها من أسأل الله له الستر في الدنيا والآخرة ... بغترته على وجهها ... حتى لا يراها الفضوليون ممن

ترى في عيونهم هذا للأسف ...

لم أجد نفسي إلا في سيارة المصاب المدمرة تماما .. حيث حاولت الحصول على أوراقه المهمة ومحفظته إن كانت وجدت

وغيرها حتى لا تفقد ..

فلما دخلت وجدت ما هو مؤلم أشد الألم ..

أشرطة .. كانت رفيقهم في السفر !!

قرآن ... ؟؟ محاضرات ؟؟ كلمات طيبة ؟؟ ندوات نافعة ؟؟

قد اكتظت السيارة بأشرطة الغناء ...!!

ولا حول ولا قوة إلا بالله ..

جمعتها كلها .. وأتلفتها ..

حتى لا يستفاد منها .. خلفهم ..

ولعل الله بهذا أن يزيل عنهم ما يجدون .. وأن يقبل توبة من تاب ..

انطلقت لا ألوي على شيء ...

أريد هذه الأم .. التي لم أحتمل منظرها ..

تخيلوا معي ... ليلا ... في خط موحش مظلم ..

وهي بجوار الشبك جالسة وممددة القدمين على الحجارة والرمل القاسي وربما على زجاج السيارة ..

لم أستطع ... أن أراها بهذه الحال ..

وضعت خلفها سجادة ووسادة ..

أمي ... ارتاحي .. هاه تنامين على ظهرك أريح لك يمه !!

يمه تسمعيني !! ... أناديها بجوارها ..

يمه ردي علي .. !!

تنزف من رأسها وأنفها دما .. ولا تتكلم .. !! يالله ..

طلبت الماء من الرجال .. ومسحت عن وجهها آثار الدماء ..

لم أسمع منها بعد عناء إلا أنين .. وألم ..

وانظروا الأم الحنونة ..

لم تشتكي .. من نفسها .. لم تشتكي من ألامها ..

وإنما ..

صدعت ..

(( يشهد الله أني الآن أمسح دموعي من تأثري بمقالها )) وأنا أتذكر هذه العظيمة .. لله درها ..

أولادي وينهم ..؟؟

وين أحفادي ؟؟

فلانة إيش صار لها .. ؟؟

ولدي فلان إيش صار له ..؟؟

جلست ورائها أسندها وأخفيت وجهي خلف ظهرها ودمعت عيناي ..

قالت :دخيلكم .. هذولا ( هؤلاء ) أيتام ما لهم أحد إلا الله ..

أولادي أيتام .. شوفوهم ..

والذي رفعها سبع وخفضها سبع ..

أنها تكلمني .. حفظها الله وشفاها ..

وهي لا تستطيع أن تفتح عينيها ..

وقد انخفض ضغطها وهي في شبه غيبوبة ولكن ... الله ممن تنسى ألمها وهي في هذه الحالة ... وتبحث عن

صحة أبنائها ..

انخفض ضغطها ..

مما دعا أحد المسعفين ( الأبطال ) إلى المبادرة ..

لإحضار مغذية وعلقها على الشبك .. وأنا كنت جالس خالفها أسندها وممسك بيدها ..

لأجل المغذية ...

أخبرتها ..

أمي ... قولي لا إله إلا الله ..

كلهم طيبين ( فلانة الآن وأختها أخذوهما المستشفى وهم بصحة .. )

وهي لا تزد إلا ...

وين أولادي .. أحفادي .. هذولا أيتام .. ما لهم أحد انتبهوا لهم ..يا ولدي ..

أبشري يا يمه .. !! أكفكف دموعي مما جعل الموقف يزداد .. ألما لكل من رآني أنا وهذه المسنة .. التي لا تدري

عن نفسها من شدة الألم .. ولا تسأل إلا عن أولادها .. ولم تسأل عن ألمها .. !! ( أين من يقدر الأم؟؟ )

فجأة جاء ولدها .. يسحب خطاه ..

يهادي بين اثنين وهما زملائي في السفر .. حيث كنا ثلاثة ..

وجلس ... والمؤلم أنه هذه المرأة لم تكن جدته !!

وإنما ( أمه ) !!

جلس بجواري وجوارها يبكي وقد خااااف من هول الموقف لم يعد يتمالك أن يقف ..

يسأل أمه باضطراب : أمي كيفك ..؟؟ هاه أمي شوفيني طالعي في ردي علي ..يا أمي ؟؟

يا أمي ...؟؟

فجأة جاءه اتصال .. ورد عليه ... احمرت عيناه .. وأغلق الجوال ونظر للسماء مع صرخة ..

وقال : يا الله أختي راااااااحت ... !!

وسقط على ظهره ..يبكي ...!!

حملته وقلت له والدتك طيبة والله طيبة .. قل لا إلا اله ..

أبشرك كل أهلك بخير ..

طالعني .. واحتضنني يبكي بكاء مرا ... ولا أدري بقوله : أختي راحت !! هل يقصد .. ؟؟ أنها ذهبت مع الإسعاف ولا يعلم عن حالها أو أنه جاءه خبر أنها ماتت .. !! والله لا أدري

أخذه الإخوة من عندي وذهبوا به بعيدا .. حتى لا تسمعه أمه الحنونه فيتفاقم ألمها ..

كم كان موقفا مؤلما .. ؟؟ يعلم الله

رجعت للأم ..

وجلست أذكرها بالله ولقنتها الشهادة .. من باب الذكر العام .. وليس لإخافتها بالموت ..

فكانت تذكر الله وتقول الله يعطيك العافية يا ولدي ..

وتكرر علي الأسئلة ..

وين أولادي ... وين فلانة ..

مسحت وجهها بالماء ...

والحمد لله .. تحسنت حالتها نوعا ما جاء الإسعاف .. بدأ يحمل الأم .. وكنت من ضمن من حملها طبعا ..

لأشاااهد الشاب ... يهوي من بين يدي الزملاء ..

هناك .. ويبكي بصوت عالي ..

ويسجد لله شكرا ..

شكرا أن نجاه .. من هذه الحادثة ..

أخذت جواله هذه المرة ..

أركبناه ووالدته .. في الإسعاف ..

نظر لي نظرة وداع ..

لم يخاطب غيري فيها ..

قرأت فيها ألمه .. مما أصاابه ..

ووداعه الحار .. لي ..

قال لي : مع السلامة .. جزاك الله خير ..

ابتسمت له ابتسامة المؤمن ..

الراضي بقضاء الله .. ويعلم الله أني أخفي وراءها

دموعا كثيره ..

أغلقوا دوننا أبواب الإسعاف .. وانطلق الإسعاف .. لينطلق عقلي وقلبي معهم .. ولتنطلق عبرتي المخنوقة في بعض

الطريق ..

أمسكني أحد زملائي .. بيدي ..

لنسير .. نحو المدينة ... بعد لحظات لم أنسها ..

ودعوت الله أن لا يجعلني في مثل هذا الموقف . مصابا ..

وإياكم والمسلمين ..

ترقرقت دمعتي .. وأثار دماء الأم الحنونة على ثيابي زادتني ألما ..

وهي لا تزال موجودة .. حتى وقت كتابة هذه الحادثة ..

وياليتنا .. إخواني ..

نعلم ونتعلم .. أذكار الصباح والمساء لاسيما وإن كان هناك سفر ..

دعاء السفر ...

ذكر الله عند الشاهق والنازل من الأرض ..

أن لا نبارز الله في هذه الطرقات المروعة ونحن أحوج ما يكون لرحمته ورأفته في هذه الطرق ..

بالمعاصي وسماع الأغاني ...

فلو قدر أن مات أحد ... وقد كان من أواخر ما لامس أذنيه ..

الغناء فكيف سيلقى ربه ..

أرجوكم تمهلوا .. في الطرقات لاسيما وإن كان معكم أفراد العائلة أرجوكم ..

حتى لا نكون يوما من الأيام ( الضحية ) !!

والله يحفظكم ويرعاكم ..

وآسف على الإطالة المملة .. والأخذ من نفيس أوقاتكم ..

ولكنها حادثة .. فيها من العبر الكثير ..

أحببت أن تشاركوني فصولها ..

لعلنا نتعظ ونعتبر ..

فهل من معتبر؟؟


أخوكم

إرسال تعليق

 
Top