0

 خطبة أهوال القبور سعيد بن محمد آل ثابت

الحمد لله الواحد القهار العزيز الغفار, مكور الليل على النهار, جامع الناس ليوم تشيب فيه الولدان, يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:

أيها المسلمون, أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل فقد أمركم بذلك في قوله: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون .

أيها الموحدون أيها المصلون أيها السامعون, اعلموا أن القبر أول منازل الآخرة, وأنه من مات فقد قامت قيامته, يُفسح للمؤمن في قبره سبعون ذراعًا, ويملأ عليه خيرًا إلى يوم يبعثون, وأما الكافر فيضرب بمطرقة من حديد ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه. كان عثمان بن عفان رضي الله عنه إذا رأى القبر بكى بكاء الثكلى, فقيل له: يا أمير المؤمنين مالك يُذكر عندك الجنة والنار وعذاب الآخرة فلا تبكي, فإذا رأيت القبر بكيت؟! قال رضي الله عنه: إن القبر أول منازل الآخرة إذا صلُح وحسن فما بعده أيسر منه.

إنها الحفرة المظلمة الموحشة, إنها الحفرة التي غطاؤها من تراب, ووسادتها من تراب وسقفها من تراب وجوانبها من تراب.. تراب على تراب, إنها الباب الأول إلى الآخرة, من دفن فيها فقد فُتح له باب من أبواب الأخرة, فإن كان صالحًا فتح له باب إلى الجنة يأتيه من روحها وريحها وطيبها. وإن كان ممن غلب عليه هواه واتبع شيطانه وعصى مولاه فإنه يفتح له باب إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها حتى تقوم الساعة. إنها الحفرة التي شمر لها المشمرون, وسارع في تحسينها الصالحون, إنها الحفرة التي أقضت مضاجع الصالحين فما أصبحت عيونهم تكتحل برقاد, ولا نفوسهم ترتوي من سهاد. فما إن يتوسد أحدهم فراشه ويطفئ عنه مصابحه إلا ويتذكر ظلمة القبر. فهذا عمر بن عبد العزيز كان إذا اضطجع على فراشه وأطفأ سراجه بكى حتى يبل وسادته من البكاء, ويقول: (اللهم نور قبري, اللهم حسن عملي).

أتيتُ القبورَ فناديتُها أين المعظمُ والمحتقر ؟

تفانوا جميعاً فما مخبرٌ وماتُوا جميعاً ومات الخبر

فيا سائلي عن أناسٍ مضوا أما لك في ما مضى معتبر

تروحُ وتغدو بناتُ الثرى فتمحو محاسنَ تلك الصور.

إنها الحفرة التي تنسي أحلى ليلة يمر فيها الإنسان في حياته, وظلمة القبر تنسي ليلة العرسِ. إنها الحفرة التي يقول فيها المصطفى : "القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار".

اعلموا عباد الله أن المؤمن ينعم في قبره ويأتيه من ريح الجنة وريحانها فيشتاق إليها فيقول: يا رب أقم الساعة يا رب أقم الساعة. وإن الكافر أو الفاجر يأتيه في قبره من سموم النار فيقول: يا رب لا تقم الساعة, رب لا تقم الساعة. لا إله إلا الله, لا إله إلا الله, ما أشدها من ساعة, وما أتعسها من حياة, وما أشقاها من لذة. أألعب في الدنيا وأرتكب الحرام وأفعل الجرائم واستمع للغناء وانظر إلى الخنا والحرام وأتلذذ بشهوة أو أتمتع بمعصية ثم يكون هذا مصيري, اللهم غفرانك.

عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: خرجنا مع رسول الله في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يُلْحد بعد, فجلس رسول الله وجلسنا حوله كأنما على رؤوسنا الطير, وبيده عودٌ ينكت به الأرض فرفع رأسه فقال: "تعوذوا بالله من عذاب القبر" مرتين أو ثلاثًا, ثم قال: "إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه, كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر, ويجئ ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة أُخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان, قال: فتخرج فتسيل كما تسيل القطرة من في السِّقاء, فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين, حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط ويخرج منه كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض, قال: فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الريح الطيب؟ فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسماءه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا, فيستفتحون له فيفتح له, فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى يُنتهى بها إلى السماء السابعة, فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض في جسده, فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان: من ربك؟ فيقول ربي الله, فيقولان ما دينك فيقول: ديني الإسلام, فيقولان: ما هذا الرجل الذي بُعث فيكم فيقول هو رسول الله, فيقولون: ما يدريك فيقول: قرأت كتاب الله وآمنت به, وصدقته فينادي مناد من السماء أن قد صدق عبدي, فافرشوه من الجنة وافتحوا له بابًا إلى الجنة فيأتيه من ريحها وطيبها, ويفسح له في قبره مد بصره, قال: ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول: أبشر بالذي يسرك, هذا يومك الذي كنت توعد, فيقول له من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجئ بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح, فيقول: رب أقم الساعة, رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي. وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر, حتى يجئ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى سخط من الله وغضب, فتفرق في جسده فينتزعها كما يُنتزع السَّفود من الصوف المبلول فيأخذوها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة فيقول ربي الله, فيقولان ما دينك فيقول: ديني الإسلام, فيقولان: ما هذا الرجل الذي بُعث فيكم فيقول هو رسول الله, فيقولون: ما يدريك فيقول: قرأت كتاب الله وآمنت به, وصدقته فينادي مناد من السماء أن قد صدق عبدي, فافرشوه من الجنة وافتحوا له بابًا إلى الجنة فيأتيه من ريحها وطيبها, ويفسح له في قبره مد بصره, قال: ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول: أبشر بالذي يسرك, هذا يومك الذي كنت توعد, فيقول له من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجئ بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح, فيقول: رب أقم الساعة, رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي. وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر, حتى يجئ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى سخط من الله وغضب, فتفرق في جسده فينتزعها كما يُنتزع السَّفود من الصوف المبلول فيأخذوها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة رجل قبيح الوجه قبيح الثياب نتن الريح فيقول: أبشر بالذي يسؤك, هذا يومك الذي كنت توعد, فيقول: من أنت فوجهك الوجه القبيح يجئ بالشر, فيقول: أنا عملك الخبيث, فيقول: رب لا تقم الساعة"رواه أحمد وأبو داود والحاكم, وقال: صحيح على شرط الشيخين, رواه الذهبي.

ولدتك أمك باكيا مستصرخا والناس حولك يضحكون سروراً

فأعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكا مسروراً

اللهم أجرنا من عذاب القبر, اللهم أجرنا من عذاب القبر يا رب العالمين. بارك الله ولكم في القرآن العظيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه. أما بعد:

عباد الله, اعلموا أن لعذاب القبر وعذاب البرزخ أسباب من اقترفها وعملها فهو على خطر عظيم, ولنرتوي من هذا الحديث العظيم في هذا الباب ليلخص بعض حياة البرزخ: عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: كان رسول الله مما يُكثر أن يقول لأصحابه: "هل رأى أحدٌ منكم من رؤيا؟" فيقُص عليه من شاء الله أن يقص وإنه قال لنا ذات غداةٍ: "إنه أتاني الليلة آتيان, وإنهما ابتعثاني, وإنما قالا لي: انطلق وإني انطلقت معهما, وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوي بالصخرة برأسه فيثلغ رأسه, فيتدهره الحجرٌ هاهنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان, ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى قال: قلت لهما: سبحان الله ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق, قال: فانطلقنا فأتينا على رجل مستلقٍ لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلّوب من حديد, وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيُشرشر شدقه إلى قفاه, ومنخره إلى قفاه, وعينه إلى قفاه.. قال: ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل في الجانب الأول. فما يَفُرغُ من ذلك الجانب حتى يصحَّ ذل الجانب كما كان ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى قال: قلت سبحان الله ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق, فانطلقنا فأتينا على مثل التنور قال: وأحسب أنه كان يقول فإذا فيه لغط وأصوات, قال: فانطلقنا فيه فإذا فيه رجال ونساءٌ عرات, وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا. أي صاحوا فزعين. قال: قلت لهما: ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق, انطلق, قال: فانطلقنا فأتينا على نهر حسبت أنه كان يقول: أحمر مثل الدم وإذا في النهر رجل سابح يسبح وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة وإذا ذلك السابح يسبح ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجرًا, فينطلق يسبح ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فَاغر فاه فألقمه حجرًا قال: قلت لهما: ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق, انطلق, فانطلقنا إلى أن قال: قلت لهما: فأني قد رأيت منذ الليلة عجبًا, فما هذا الذي رأيت, قال: قالا لي: إنا سنخبرك: أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة. وأما الرجل الذي أتيت عليه يُشَرشر شدقه إلى قفاه, ومنخره وعينه إلى قفاه, فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق. وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور فهم الزناة والزواني. وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويُلقم الحجر فإنه آكل الربا". ومن أسباب عذاب القبر عدم التنزه من البول أن يصيب البدن أو الثوب, أو المشي بالنميمة وهي القالة بين الناس على وجه الإفساد.

فاتق الله يا عبد الله, فإن الدنيا قد ارتحلت مدبرة, وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة, واذكر ساعة الموت والانتقال.

إعداد الفقير إلى الله تعالى

سعيد بن محمد آل ثابت


إرسال تعليق

 
Top