الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ))[1].
يجمع الله الخلائق يوم القيامة، الأولين منهم، والآخرين ﴿ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ﴾ [النجم: 31] في يوم طويل قدره، عظيم هوله، شديد كربه، حذر الله منه عباده وأمرهم بالاستعداد له، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1، 2].
في ذلك اليوم العظيم تدنو الشمس من الخلق، حتى تكون منهم قدر ميل، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حِقْوَيْه، ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا[2].
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِي الْأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ))[3].
في ذلك الموقف العظيم يظل الله في ظله هؤلاء السبعة، فلنتأمل أعمالهم التي أوجبت لهم هذا الجزاء العظيم.
فالأول: الإمام العادل، الذي يحكم بين الناس بالحق ولا يتبع الهوى، كما قال تعالى: ﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾ [ص: 26].
ممتثلاً أمر ربه له سبحانه إذ يقول: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [النساء: 58].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا))[4].
فهذا ثواب مَن عدل في حكمه وأعطى الحق أهله، فانظر إلى جزاء من جار في حكمه وظلم ولم يعدل.
قال تعالى: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾ [إبراهيم: 42].
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((مَا مِنْ رَجُلٍ يَلِي أَمْرَ عَشَرَةٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَّا أَتَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَغْلُولاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَدُهُ إِلَى عُنُقِهِ فَكَّهُ بِرُّهُ أَوْ أَوْبَقَهُ إِثْمُهُ أَوَّلُهَا مَلَامَةٌ وَأَوْسَطُهَا نَدَامَةٌ وَآخِرُهَا خِزْيٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))[5].
وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ))[6].
والثاني: شاب نشأ في عبادة الله، وقد وفقه الله منذ نشأ للأعمال الصالحة، وحببها إليه، وكره إليه الأعمال السيئة وأعانه على تركها، إما بسبب تربية صالحة، أو رفقة طيبة، أو غير ذلك، وقد حفظه مما نشأ عليه كثير من الشباب من اللهو واللعب، وإضاعة الصلوات، والانهماك في الشهوات والملذات، وقد أثنى الله على هذا النشء المبارك بقوله تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ [الكهف: 13].
ولما كان الشباب داعيًا قويًّا للشهوات، كان من أعجب الأمور الشاب الذي يلزم نفسه بالطاعة والاجتهاد فيها، فاستحق بذلك أن يكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله.
لقد علم أنه مسؤول عن شبابه فيم أبلاه، فعمل بوصية نبيه صلى الله عليه وسلم التي أوصى بها حيث يقول: ((اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ))[7].
والثالث: رجل قلبه معلق بالمساجد، فلا يكاد إذا خرج من المسجد أن يرتاح لشيء حتى يعود إليه، لأن المساجد بيوت الله، ومن دخلها فقد حلَّ ضيفًا على ربه، فلا قلب أطيب ولا نفس أسعد من رجل حل ضيفًا على ربه في بيته وتحت رعايته.
وهؤلاء عمار المساجد على الحقيقة الذين قال الله فيهم: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [التوبة: 18].
فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((الْمَسْجِدُ بَيْتُ كُلِّ تَقِيٍّ، وَتَكَفَّلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ كَانَ الْمَسْجِدُ ببَيْتَهُ بِالرَّوْحِ، وَالرَّحْمَةِ، وَالْجَوَازِ عَلَى الصِّرَاطِ إلى رِضْوَانِ اللهِ إلَى الجَنَّةِ))[8].
وهذه الضيافة تكون في الدنيا بما يحصل في قلوبهم من الاطمئنان والسعادة والراحة، وفي الآخرة بما أعدَّ لهم من الكرامة في الجنة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ[9] مِنْ الْجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ))[10]
والرابع: رجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه، لأن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله.
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 54].
وفي الحديث عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ))[11]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ))[12]
وهذه إحدى الخصال التي يجد بها العبد حلاوة الإيمان ولذته، فهذان الرجلان لم تجمعهما قرابة ولا رحم ولا مصالح دنيوية، وإنما جمع بينهما حب الله تعالى، حتى فرق بينهما الموت وهما على ذلك.
فعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ بِقُرْبِهمْ ومَقْعَدِهِمْ مِنَ اللَّهِ)) فجثى رجل من الأعراب من قاصية الناس وألوى بيده إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا نبي الله، ناس من الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياءُ والشهداءُ على مجالسهم وقربهم من الله؟! انْعَتْهُمْ لنا - يعني صفهم لنا - فسُرَّ وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لسؤال الأعرابي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هُمْ نَاسٌ مِنْ أَفْنَاءِ النَّاسِ وَنَوَازِعِ القَبَائِلِ، لَمْ تَصِلْ بَيْنَهُمْ أَرْحَامٌ مُتَقَارِبَةٌ، تَحَابُّوا فِي اللهِ وَتَصَافَوْا، يَضَعُ اللهُ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، فَيُجْلِسُهُمْ عَلَيْهَا، فَيَجْعَلُ وُجُوهَهَمْ نُورًا، وَثِيَابَهُمْ نُورًا، يَفْزَعُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ يَفْزَعُونَ؛ وَهُمْ أَوْلِيَاءُ اللهِ الَّذِينَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ))[13].
والخامس: رجل دعته امرأة إلى نفسها، وليست كأي امرأة، بل هي امرأة لها مكانة ومنزلة رفيعة، وقد أعطاها الله من الجمال ما يجعل الفتنة بها أَشَدَّ، والتعلق بها أعظم فيا الله! كيف ينجو مَن وقع في مثل ذلك الموقف إلا بإيمان عميق وبصيرة نافذة؟!
قال القاضي عياض: "وخص ذات المنصب والجمال لكثرة الرغبة فيها، وعسر حصولها، وهي جامعة للمنصب والجمال، لا سيما وهي داعيةٌ إلى نفسها طالبة لذلك، قد أغنت عن مشاقّ التوصّل إلى مراودة ونحوها، فالصبر عنها لخوف الله تعالى، وقد دعت إلى نفسها مع جمعها المنصب والجمال من أكمل المراتب، وأعظم الطاعات، فرتب الله تعالى عليه أن يظله في ظله. وذات المنصب هي ذات الحسب والنسب الشريف"[14].
قال تعالى في هذا وأمثاله: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 40، 41].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَتَمَشَّوْنَ أَخَذَهُمْ الْمَطَرُ فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالاً عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لِلَّهِ فَادْعُوا اللَّهَ تَعَالَى بِهَا لَعَلَّ اللَّهَ يَفْرُجُهَا عَنْكُمْ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَتْ لِيَ ابْنَةُ عَمٍّ أَحْبَبْتُهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ، وَطَلَبْتُ إِلَيْهَا نَفْسَهَا فَأَبَتْ حَتَّى آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَتَعِبْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِائَةَ دِينَارٍ فَجِئْتُهَا بِهَا، فَلَمَّا وَقَعْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَفْتَحِ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَقُمْتُ عَنْهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةً فَفَرَجَ لَهُمْ... الحديث))[15].
والسادس: رجل تَصَدَّقَ بصدقة، وما أكثر المتصدقين، وما أعظمَ أجورَهُم عند الله، لكن الذي تميز به هذا المُتَصَدّق ونال به هذا الأجر العظيم - وهو إظلال الله له -، إخلاصه في صدقته، فقد بلغ به الإخلاص حتى كاد أن يخفيها عن نفسه لو استطاع. وقد مدح الله المتصدقين، فقال: ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ﴾ [البقرة: 271] ثم خص المُسِرِّين فقال: ﴿ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 271].
وعن عبدالله بن جعفر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِيءُ غَضَبَ الرَّبِّ))[16].
أما السابع: فرجل امتلأ قلبه بمحبة الله وخشيته وتعظيمه، فذكر الله بمكان خالٍ لا يراه إلا هو، ذكر عظمته وفضله عليه ورحْمَتَهُ فدمعت عيناه شوقًا إليه، وفي هذا وأمثاله يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2].
وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [المائدة: 83].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عَيْنَانِ لا تَمَسُّهُمَا النَّارُ عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ))[17].
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثير البكاء من خشية الله، وكذلك الصالحون من قبل ومن بعد، وقد توعد الله أصحاب القلوب القاسية بِأَشَدِّ الوعيد، فقال: ﴿ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الزمر: 22].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] صحيح البخاري (1/ 440) رقم (1423)، وصحيح مسلم (2/ 715) برقم (1031).
[2] معنى حديث أخرجه مسلم في صحيحه (4/ 2196) رقم (2864).
[3] صحيح البخاري (4/ 197) رقم (6532)، وصحيح مسلم (4/ 2196) رقم (2863).
[4] صحيح مسلم (3/ 1458) رقم (1827).
[5] مسند الإمام أحمد (5/ 267)، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (5718).
[6] صحيح البخاري (4/ 331) رقم (715)، وصحيح مسلم (1/ 125) رقم (142) واللفظ لمسلم.
[7] مستدرك الحاكم (4/ 341) رقم (7844)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح الجامع الصغير" (1/ 244) رقم (1077).
[8] حلية الأولياء لأبي نعيم (6/ 176)، وقال المنذري في كتابه "الترغيب والترهيب" (1/ 298): رواه الطبراني في الكبير والأوسط، والبزار وقال: إسناده حسن وهو كما قال رحمه الله. وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (716).
[9] نزله: مكانًا ينزله.
[10] صحيح البخاري (1/ 20) رقم (662)، وصحيح مسلم (1/ 463) رقم (669).
[11] سنن أبي داود (4/ 220) برقم (4681)، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح الجامع الصغير" (2/ 1034) برقم (5965).
[12] صحيح مسلم (1/ 74) برقم (54).
[13] مسند الإمام أحمد (5/ 343) و"شرح السنة" للبغوي (13/ 50-51) برقم (3464)، وقال محققاه شعيب، وزهير: وأخرجه أحمد (5/ 341، و343) وشهر بن حوشب مختلف فيه وله شاهد بنحوه من حديث ابن عمر، أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 170-171) وصححه وأقره الذهبي، وآخر من حديث أبي هريرة عند ابن حبان في صحيحه (2508) وإسناده صحيح.
[14] صحيح مسلم بشرح النووي (3/ 122).
[16] المعجم الصغير للطبراني (2/ 95)، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع رقم (3759).
[17] سنن الترمذي (4/ 175) برقم (1639)، وقال: حديث ابن عباس حديث حسن غريب، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير (2/ 756) برقم (4113).
إرسال تعليق