التفسير المختصر - سورة الزمر (39) - الدرس (08-11) : تفسير الآيات 53 - 55
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1995-12-12
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين،
اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما
ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً
وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن
يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة الكرام، ما من آيةٍ في كتاب الله تعالى أرجى من قوله تعالى:
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى
أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)﴾
[سورة الزمر]
أسرفوا على أنفسهم، فعلوا كلَِّ المعاصي ليلا و نهارًا كبيرَها و صغيرَها، قال تعالى:
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى
أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)﴾
[سورة الزمر]
القانطُ عند الله كافرٌ، و الذي ييأس من رحمة الله كافرٌ، قال تعالى:
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى
أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)﴾
[سورة الزمر]
و في الحديث القدسي، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ
((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَا ابْنَ آدَمَ
إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ
فِيكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ
السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ
آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ
لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَة*
))
[رواه الترمذي]
عندي لك الصلحُ وهو بِرِّي و عندك السيفُ و السِّنانُ
ترضى بأن تنقضي الليالي وما انقضتْ حربُك العوانُ
فاستحِ من كتابٍ كريــم يُحصِي به العقلُ و اللسانُ
واستحِ من شيبةٍ تراهــا في النار مسجونة تُهــان
قال تعالى:
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى
أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)﴾
[سورة الزمر]
و قال عليه الصلاة و السلام
(( عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ أَفْرَحُ
بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ
أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ * ))
[رواه البخاري]
أعرابيٌّ يركب ناقته و يقطع بها الصحراءَ، عليها زادُه و شرابه، جلس ليستريح، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ
((قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَلَّهُ أَشَدُّ
فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ
عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا
طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي
ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ
بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ
الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ
شِدَّةِ الْفَرَحِ ))
[رواه مسلم]
اللَّه أفرح بتوبة عبده من ذلك البدوي بناقته.
قال تعالى:
﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا
عَظِيمًا(27)يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ
ضَعِيفًا(28)﴾
[سورة النساء]
و ما فتح اللهُ باب التوبة لعباده إلا ليتوب
عليهم، و ما أمر عبادَه أن يدعوه إلا ليستجيب لهم، و حسنُ الظنِّ بالله
ثمنُ الجنة، قال لي أحدُهم: ليس هناك معصيةٌ ما عملتُها، و تاب إلى الله
توبةً نصوحًا، و الآن يعيش حياةً فوق التصوُّرِ من السعادة، إذا قال العبدُ
يا ربي وهو راكع، قال الله له: لبَّيك يا عبدي، فإذا قال يا ربي وهو ساجد،
قال الله لبَّيك يا عبدي، فإذا قال يا ربي وهو عاصٍ قال الله لبَّيك ثم
لبَّيك ثم لبَّيك، و لم يعلم المعرضون انتظاري لهم و شوقي إلى ترك معاصيهم
لتقطَّعت أوصالُهم من حبي، و لماتوا شوقا إليَّ، هذه إرادتي بالمعرضين فكيف
بالمقبلين ؟
هذا موقف الله تعالى، أهلُ ذكري أهلُ مودَّتي، و أهلُ شكري أهل زيادتي، و
أهل معصيتي لا أُقنِّطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم و إن لم يتوبوا
فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لا أطهِّرهم من الذنوب و المعايِب، الحسنةُ
عندي بعشرة أمثالها و أزيد و السيِّئة بمثلها و أعفو، وأنا أرأفُ بعبدي من
الأمِّ بولدها "
قال تعالى:
﴿ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ(64)﴾
[سورة غافر]
و قال تعالى:
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى
أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)﴾
[سورة الزمر]
إعراب " جميعا " توكيدٌ، كلُّ الذنوب مهما كثرت و مهما عظُمتْ، بشرط أن تأتيَه تائبا، و المشكلةُ في الذين يقولون:
﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ(4)﴾
[سورة الماعون]
لكن تمام الآية "
﴿الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ(5)﴾
[سورة الماعون]
و لو أن الله قال: في صلاتهم ساهون، الإنسانُ يسهى أحيانا، أما عن صلاتهم اختلف الوضعُ قال تعالى:
﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54)﴾
[سورة الزمر]
متى أغفر الذنوب جميعا و متى رحمتي سبقت غضبي، متى، قال تعالى:
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى
أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)﴾
[سورة الزمر]
متى، قال تعالى:
﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54)﴾
[سورة الزمر]
إذا أنبتم و رجعتم و ندمتم و استغفرتم و تبتم و أصلحتم و أقلعتم و عزمتم، متى ؟ قال تعالى
﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54)﴾
[سورة الزمر]
أي استسلمتم لأمره و انصعتم لأمره و طبَّقتم أمرَه و تحرَّيتم الحلالَ و في الحديث: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ
((قَالَ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا
دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا
أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ
ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ
إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي
لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَة* ))
[رواه الترمذي]
أيها الإخوة الكرام لا يجوز أن نقرأ آيةً و ندعَ الثانيةَ، قال تعالى:
﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(49)وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ(50)﴾
[ سورة الحِجر]
قال تعالى:
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى
أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)﴾
[سورة الزمر]
وفي دعاء النبيِّ صلى الله عليه و سلم، يقول:
((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ مِنْ
دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ
إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ
وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ * ))
[رواه مسلم]
أحيانا التحليلُ يعطيك خبرَ البورم فيصبح الإنسانُ في كآبة و ألم، اللهم إنا نعوذ بك من فجاءة نقمتك.
أيها الإخوة الكرام، دقِّقوا في هذا الحديث، هذا كلام النبيِّ،عَنْ مُعَاذٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ
((كُنْتُ
رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ
يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ فَقَالَ يَا مُعَاذُ هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ
عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ قُلْتُ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ
يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى
اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا فَقُلْتُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ قَالَ لَا تُبَشِّرْهُمْ
فَيَتَّكِلُوا * ))
[رواه البخاري]
هل تصدِّق أنك حينما تعبد اللهَ ينشأ لك حقٌّ
على الله ؛ أن لا يعذِبك، و الله تعالى عنده ألوانٌ من العذاب لا يحتملها
الإنسانُ، و هناك آلامٌ لبعض الأمراض لا يحتملها الإنسانُ، و بعضُ الذُّلِّ
و الإهانة لا يحتملها الإنسانُ، و الفقرُ المدقع لا يحتمله الإنسانُ و
يجعل حياة الإنسانِ جحيما أنت حينما تعبد اللهَ ينشأ لك حقٌّ على الله، أن
لا يعذِّبك، وهناك دليلٌ آخرُ، قال تعالى:وَقَالَتْ
﴿ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ
وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ
بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ
الْمَصِيرُ(18)﴾
[ سورة المائدة ]
قال العلماءُ: لو أن اللهَ أقرَّهم على دعواهم
لما عذَّبهم، و هم ادَّعَوا أنهم أحبابُه، إذًا اللهُ سبحانه و تعالى لا
يعذِّب أحبابَه، و أدَقُّ من ذلك قوله تعالى:
﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ
نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً
مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ(21)﴾
[ سورة الجاثية ]
الدنيا قبل الآخرةِ، سواءٌ محياهم دنياك كمؤمن غيرُ دنيا الكافرِ، فيها طمأنينة و أمنٌ، قال تعالى:
﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(81)﴾
[ سورة الأنعام ]
أين قوله تعالى:
﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ(48)﴾
[ سورة الطور ]
وقوله تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ(38)﴾
[سورة الحج]
و أين قوله تعالى:
﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ
الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ
الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ
أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(257)﴾
[ٍسورة البقرة]
و أين قوله تعالى:
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ(11)﴾
(سورة محمد)
و أين قوله تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَانُ وُدًّا(96)﴾
[سورة مريم]
أنت تعامِل خالقَ الأكوانِ، أنت تعامل من بيده
ملكوتُ كلِّ شيءٍ، أنت تعامل من إذا قال: كن فيكون، و في الحديث:عَنْ
أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا
رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ
((ْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي
أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ
فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ
كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ
بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا
فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا
ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي يَا
عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ
كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ
فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ
وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ
مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ
أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ
وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا
نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا
أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا
لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ
اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ))
[رواه مسلم]
موطِن الشاهدِ، الآيةُ الثانيةُ، قال تعالى
﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54)﴾
[سورة الزمر]
فارجِعْ إلى الله و اصطلِحْ معه و راجعْ
حساباتك و سدِّدْ ديونَك، و استسمِح من اغتبْتَهُ و أدِّ ما عليك، و غُضَّ
بصرَك، و ربِّ أولادَك و زوجتَك و أقِم الإسلامَ في بيتك و في عملك و
انظُرْ كيف يعاملُك اللهُ، عبدي كنْ لي كما أريد أكنْ لك كما تريد، أنت
تريد و أنا أريد فإذا سلَّمتَ لي فيما أريد كفيْتُك ما تريد، و إن لم
تسلِّم لي فيما أريد أتعبْتُك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد "
فأوَّلُ آيةٍ قوله تعالى:
﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54)﴾
[سورة الزمر]
و قال تعالى:
﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ(11)﴾
[سورة الرعد]
و قال تعالى:
﴿وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ(41)﴾
[سورة الرعد]
ليس عنده استئناف، و قال تعالى:
﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ
رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ
لَا تَشْعُرُونَ (55)﴾
[سورة الزمر]
هو وزوجتُه و خمسةُ أولادٍ يمشون فإذا سائقٌ
نائم قد اصطدم بهم، الزوجةُ ثلاثون كسرا، وولدان قد ماتوا، و هو مشلولٌ،
هذه بغتة، فإذا كان الإنسانُ مستقيما فهو في حفظ اللهِ، قال تعالى:
﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾
[سورة الرعد]
الملائكة تحفظك، و قال عليه الصلاة والسلام:
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ
وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ
وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ
* ))
[رواه مسلم]
الملائكةُ موَكَّلةٌ بحفظك من كلِّ مكروهٍ و
حادثٍ ومن كلِّ مشكلةٍ، ومن كلِّ بلاءٍ، الواحدُ استيقظ الصبحَ فلم يجدْ
سيارَته، سُرِقتْ، و السيارةُ فيها تهريب الحشيش و انضبطتْ أودِع السِّجنَ
لخمسِ سنواتٍ، لذلك لا تعجزْ عن ركعتين قبل الفجرِ أكفِك النهارَ كلَّه، و
قال عليه الصلاة و السلام:
(( عَنْ جُنْدَبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُا قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ
فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ فَلَا يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ
بِشَيْءٍ فَيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ *))
[رواه مسلم]
(( فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ
قَالَ دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ صَلَاةِ
الْمَغْرِبِ فَقَعَدَ وَحْدَهُ فَقَعَدْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ يَا ابْنَ
أَخِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ
وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ
كُلَّهُ* ))
[رواه مسلم]
فأنت في ذمَّة اللهِ وحفظِه، و أنت مع خالقِ الكونِ، و المسجد بيتُه، و إن بيوتي المساجد.
قال تعالى:
﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ
رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ
لَا تَشْعُرُونَ (55)﴾
[سورة الزمر]
و قال تعالى:
﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى
السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ(42)خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ
ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ
سَالِمُونَ(43)﴾
[سورة القلم]
و النبيُّ الكريمُ مرَّ على قبرٍ و قال: إن صاحب
هذا القبر إلى ركعتين مما تنفلون في صلاتكم أحوجُ إليها من دنياكم
كلِّها.." قال تعالى
﴿ فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ(45)﴾
[سورة الطور]
فأيها الإخوةُ الكرامُ، ليس لنا حجَّةٌ، و قال
العلماءُ هذه أرجَى آيةٍ في كتاب اللهِ، وفي الحديث السابق: لو بلغت ذنوبك
عنان السماء، بشرط أن تكملها بأولها قال تعالى:
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى
أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا
إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ
الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54)﴾
[سورة الزمر]
وإلا يأتيك العذابُ فجأةً و أنت لا تشعر
والحمد لله رب العالمين
إرسال تعليق